رأي

وجاءها المخاض في أقصى المفازات الغربية

أميمة عبد الله

من أجل امرأة غادرت بلدتها جبراً وقسراً وكانت تحمل في أحشائها جنيناً مكتمل النمو، وضعته داخل عربة عسكرية محروقة، في أقصى المفازات الغربية تحت درجة حرارة كأنها اللهب ، تلفتت فلم تجد أحداً ولا جذعاً ، دفنت تبيعتها في الرمال ونامت دون أن تأكل رطباً جنياً.. من أجلها وأجل مثيلاتها أكتب.

الزمان كان صيفاً، وكان أوان رحيلها فجراً، وكان معسكر كلمة وجهتها ، لم تكن تعرف غير الصبر رفيقاً والرماد والبؤس المعتق بالشقاء .. وحدها تسير والرهاب ، لقد أوشك ما في بطنها على الخروج ، ودت لو تلحق بأهلها قبل المخاض فقد أقترب ، هي تحس بذلك الآن أكثر من أي وقت مضى ، فارقتهم بحثاً عن الزوج الغائب ، التائه والغارق في وهم صناعة الحياة بالسلاح، فمنذ أن تزوجته لم يهبها غير الوعود والأحلام ولم تكن تملك غير التصديق الفوري، لحداثة سنها وقلة معرفتها بتعقيدات الحياة ، لكن سلامة فطرتها كانت تُنبئها بأن العنف لا يلد خيراً قط والسلاح لا يجلب إنصافاً.

تسير بوهن وضعف ، تتلفت لكن لا أخضر ولا يابس على مرمى البصر ، الطريق طويل ومكشوف للسماء ومتحد في البعيد مع الأفق ، غمرتها الشمس بموجة حنين إلى أهلها ، ونحن في حالات الضعف نَحِنُ إلى حضن آمن ومؤاساة ودفء ، لو أنها تعود طفلة ، لو أنها لم تكبر أصلاً ولم تمرض بالحقد والكره ، ليت زوجها يعود أو ليتها لم تتزوج باكراً ، لقد عبأ رحمها بالحزن والأسى الموجع والآن هاهى تخرجه جنيناً على رمال ملتهبة، الطلق بدأ متباعداً ثم ما لبث أن صار يُلاحق بعضه ، الروح في أحشائها تُنازعها للخروج، خَدر سرى في قدميها وثقل ، انتفض قلبها كجناح حمامة مذبوحة ، ماء دافئ سال منها ، بركت على الأرض لثوان ، ضغط جنينها عليها صار الماء رهيباً ، زحفت على جنبها باتجاه سيارة عسكرية محروقة ، زاد الوجع كثافة ، كانت بحاجة لأن تُمسك شيئاً ما ، لأن تصرخ ، القلب كان يُناجي ربه ، آلا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين ، دعوة نبي الله يونس في الظلمات ، لقد كانت الظلمات تُطبق عليها ، لقد أعانهما الله قديما ، يونس ومريم ، لكن لا جذع نخلة تهزه ولا فرع ، رمال فقط ، رمال فوقها ورمال تحتها ، وصلت للسيارة المحروقة زحفاً واستوت على مقعدها الخلفي ، لم يمهلها الوجع دقائق راحة ، تلفتت لكن لا شيء سوى ريح السموم ، باعدت بين ساقيها وبدأ رحمها يدفع ليلفظ والتقت الصرختان معا ، صرخة للموت وأخرى للحياة ، خرج سليما ، تناولته بعد أن شقت ثوبها ، لفته بشق وبالآخر سترت نفسها ، تخلصت من تبيعتها دافنةً إياها في الرمال.

كتبت عنها وأنا أعلم يقيناً بأنها لن تعلم أنني أحملها في خاطري امرأة من صبر ، وليتني أعرف ما الذي حدث لها ، لقد وجدها أصدقائي داخل تلك السيارة العسكرية المحروقة بعد ولادتها بساعة ، طلبوا منها فزعين مرافقتهم لكنها رفضت ، فقد كان نزيفها مستمراً حتى ذلك الحين ذهبوا عنها بعد أن تركوا لها كل ما معهم من ماء وأكل معلب.

ولو أنكم تعلمون كيف تُصنع الحياة وتُهب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى