رأي

فترة كالوباء.. ثم تتجدد الحياة

عميد شرطة (م)

عمر محمد عثمان

حين تشتد الأزمات، يتساءل البعض: هل نواصل الصمود أم نترك لليأس أن يغلبنا؟ لكننا في السودان لم نطرح هذا السؤال على أنفسنا يومًا، لأننا نعرف الإجابة مسبقًا. لم نكن يومًا شعبًا يعرف الهزيمة، ولم نكن أمة يقهرها الظلم. هذه الحرب، بكل ما حملته من مآسٍ وخراب، ليست سوى فترة عصيبة، كالوباء الذي يجتاح المدن ويخلف وراءه الدمار، لكنه لا يلبث أن يرحل، فتعود الحياة من جديد.

في رواية الكرنك، للروائي الشهير نجيب محفوظ، يسأل البطل زينب: “هل نيأس يا زينب؟” فتجيبه بثقة: “كلا، إنها فترة كالوباء ثم تتجدد بعدها الحياة.” كم تشبه هذه الكلمات حال السودان اليوم. نعم، مررنا بوقت عصيب، رأينا مدننا تشتعل، وطرقاتنا التي كانت تنبض بالحياة تتحول إلى ساحات حرب، لكننا لم نيأس. كنا نعلم أن هذا البلد أعمق جذورًا من أن تقتلعه عاصفة، وأنه سينهض، كما فعل مرارًا عبر التاريخ.

منذ اندلاع الحرب، أراد العدو أن يزرع فينا الخوف، أن نشعر بأننا ضعفاء، لكننا لم نفقد الثقة في أنفسنا ولا في جيشنا. لم يكن المشهد سهلًا، فالخراب كان واضحًا في كل مكان، البيوت التي هُدمت، الأسر التي شُردت، الأحياء التي فقدت أهلها. ومع ذلك، لم يكن كل هذا دليلًا على الهزيمة، بل كان شاهدًا على صبر هذا الشعب وقوة احتماله.

لم يكن القتال مجرد معركة عسكرية، بل كان اختبارًا للإرادة، وبينما ظن البعض أن السودان سينهار، كانت الحقيقة عكس ذلك تمامًا. في كل شارع، كان هناك من يقاوم، في كل حي كان هناك من يساعد الآخرين، وفي كل مدينة كان الناس يثبتون أنهم أقوى من أي محنة.

تمامًا كما قالت زينب، الحرب مثل الوباء، تضعف الجسد لكنها لا تقتله. نعم، نحن نعيش أيامًا قاسية، لكننا نعلم أنها لن تدوم. لم نكن نشك لحظة في أن المليشيا ستصل إلى نهايتها، لأن الظلم لا يدوم، ولأن القوة التي تبنى على النهب والدمار لا يمكنها أن تصمد طويلًا.

واليوم، ها نحن نرى بشائر النصر تتجلى أمام أعيننا، فمصادر متطابقة تؤكد فرار أعداد كبيرة من قادة وجنود المليشيا من أحياء متفرقة في الخرطوم، وقد غادروها أذلاء صاغرين. ذلك الفضل من الله. هذا المشهد ليس مجرد حدث عابر، بل هو علامة واضحة على أن السودان بدأ يتعافى، وأن الأرض التي دُنست ستعود إلى أهلها قريبًا.

قد يظن البعض أن إعادة البناء ستكون صعبة، لكننا نعرف أن السودان لا يحتاج لمن يعيده إلى الحياة، فهو لم يمت أبدًا. سيعود أهلنا إلى بيوتهم، ستفتح المدارس أبوابها من جديد، وستُضاء شوارع الخرطوم كما كانت دائمًا. نعم، خسرنا الكثير، لكننا لم نخسر أنفسنا، لم نخسر إرادتنا، ولم نخسر هذا الوطن.

وحين تنتهي هذه المحنة، سننظر إلى الوراء ونقول: “لقد كانت فترة كالوباء، ثم تجددت الحياة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى