رأي

خواطر عائدة لمنزلها في الخرطوم

*خواطر عائدة لمنزلها في الخرطوم

نازك السماني

الحرب الدائرة في بلادنا الآن، قد لا تنطفي نيرانها في وقت قريب، كما نتمنى، فقد فرحنا كثيراً بتحرير الخرطوم ورجعنا نتفقد بيوتنا ونتساءل هل يمكننا العيش فيها برغم انعدام مظاهر الحياة من خدمات ماء وكهرباء وغيرها..

ويبدو أننا ، نحن الذين نقول ذلك، قد ألفنا النعم لأنه يوجد من بني جلدتنا من لم ينزح أو يحاول النجاة بنفسه من الحرب مثلنا، وها هو يعيش حياته صابراً محتسباً، أما نحن فقد عملنا بمقولة سيدنا عمر بن الخطاب “نفر من قدر الله إلى قدر الله “.

عدت كما ذكرت آنفا لبيتي ، فرحتي جعلتني أطلق زغرودة وأنا على بابه، وجدت فيه أناساً لم أقابلهم من قبل، نساء وأطفال سلمت عليهم واتجهت مباشرة إلى أحب الأماكن إلي ، وهو صالوني الذي أجلس فيه نهاراً أقرأ أو أشاهد التلفاز ، من الوهلة الأولى لاحظت اختفاء طقم الجلوس في مكانه، و اختفاء الطاولات الصغيرة، فدلفت إلى مطبخي أتفقده، وجدت البوتجاز قابعاً في مكانه ولكن المطبخ فارغاً من كل شئ لم يتركوا

لي أوانيَّ التي أحتفظ بذكريات جميله عنها، احتفظت بجزء من طقم العشاء الذي رحلتني به أمي الحبيبة رد الله غربتها، ولم أجد الأطقم التي أتى بها زوجي، فهو يعلم أني كسائر نساء السودان، أحب أن تكون أطقم المطبخ في تمامها، ولم أجد ما كنت قد قمت بانتقائه بنفسي من الإمارات، حتى أني لم استخدمه .. ألا لعنة الله على كل من “شفشف” وسرق بيوت أهل الخرطوم .

صعدت للطابق العلوي حيث غرف النوم .. كان المشهد مفزعاً، لم يتركوا سوى فترينة خاوية على عروشها وبعض الأوراق المتناثرة على الأرض، لم أجد أشيائي الخاصة، لما في ذلك كتباِ كنت أضعها بجوار سريري وبعض نسخ من مجلة السمراء، كله اختفى .. لا أعرف ماذا كان يريد منا هؤلاء الأوباش، لعنة الله عليهم.

أما المنزل في حد ذاته، فقد وجدته، والحمد لله، في حال حسن، فقد اعتنى به جيراني الخفراء فنظفوه وسكنوا فيه.

لقد فرضت سنوات الحرب علينا واقعاً مختلفاً، تفرق فيه الأهل والأبناء بين مختلف البلدان، لم يعد من السهل أن أجتمع وأبنائي أحبائي في بيتنا الذي ألفنا العيش فيه معاً، وأصبح قرار العودة إلى بيوتنا يتطلب حسابات أخرى.

عدت أدراجي لأم درمان حيث كنت مكثت فيها عاماً كاملاً اعتدنا فيه على سماع دوي المدافع أو انفصال الدانات .. لقد سكت كل هذا ولكن أتت المسيرات ففعلت في محولات الكهرباء مافعلت، وعلى إثر ذلك انقطعت خدمات الماء عن معظم أحياء أم درمان، إنه مشهد مؤلم وأنت تسمع عمن مات عطشاً في بلد يجري فيها النيل، فلك الله يا وطني.

نحمد الله أننا شعب صبور كلما نزلت بنا نازلة نتوجه لربنا بالدعاء ..

عادت الكهرباء والماء ولكن انتشر الوباء .. إسهالات مائية (كوليرا) إنتشرت في أم درمان، وإن كانت قد بدأت بالانحسار خلال اليومين الماضيين.

نسأل الله أن يلطف بالعباد والبلاد ونسأله اللطف الخفي وعودة كل من لجأ أو نزح إلى بيته الذي ألف العيش فيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى