مؤتمر القاهرة للقوى السودانية.. محاولة لاستكشاف فرص التوافق.. أمامها تحديات كبيرة في واقع معقد

القاهرة – المحقق – صباح موسى
ينطلق بعد غد (السبت) مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة، بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين ببحث حلول للأزمة، بعد قبول عدد كبير من الفرقاء السودانيين الدعوة التي وجهتها لهم وزارة الخارجية المصرية، وذلك لمناقشة كيفية إنهاء الحرب بالبلاد، وتمرير المساعدات الإنسانية والتأسيس لمنبر سياسي، إضافة إلى التوصل إلى توافق بين مختلف القوى السياسية حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان، عبر حوار وطني سوداني يتأسس على رؤية سودانية خالصة.
تحديات كبيرة
يأتي مؤتمر القاهرة في توقيت دقيق يمر به السودان بعد ما يقارب خمسة عشر شهراً على اندلاع الحرب في البلاد، كما يأتي استمراراً للجهود المصرية المتوالية لحل الأزمة السودانية، وتحاول القاهرة في هذا المؤتمر التوصل إلى توافق بين القوى السياسية السودانية المختلفة حول سبل إنهاء الحرب.
ويواجه المؤتمر تحديات كبيرة، مع انعدام الثقة بين مختلف الفصائل في السودان، ما يجعل من الصعب التوصل إلى توافق حول القضايا الأساسية، بعد تاريخ طويل من الصراعات والانقسامات، الأمر الذي زاد من تعقيد عملية بناء الثقة.
اختراق الواقع
القاهرة من جانبها تحاول اختراق هذا الواقع المأزوم بين القوى السياسية السودانية، ويرى الخبراء أنها نجحت بشكل كبير في تحقيق ذلك قبل قيام المؤتمر، وذلك بتقديمها دعوات الحضور للأحزاب والحركات والشخصيات المؤثرة، بعيداً عن فكرة التصادمية بين الكتل المضادة، كما يروا أنها بذلك تجنبت فخ الاختلاف بين الفرقاء، ما أدى إلى قبول الدعوة على مستوى واسع، ليأتي بعد ذلك تحدٍ أكبر وهو تهيئة الأجواء وبناء الثقة بين هذه الأطراف، بعد فترة طويلة من التجاذبات العنيفة بينهم، إلا أن حفاظ القاهرة بموقع المسافة الواحدة بين كل الفرقاء، قد يساعد بشكل كبير في جسر هذه الهوة.
سقف التوقعات
ويبقى من المهم الانتباه إلى عدم رفع سقف التوقعات في تحقيق هذا المسعى بشكل كامل في يومي السبت والأحد القادمين، وأن هذا المؤتمر سيؤدي إلى توافق تام حول كيفية إنهاء الحرب، فقد يكون مؤتمر القاهرة جولة أولى على هذا الطريق، وربما يحتاج الأمر إلى جولات أخرى لتحقيق الهدف، شرط أن تكون الجولة الأولى موفقة، لامكانية البناء عليها مستقبلاً، أما إذا تم إفشال الدعوة بمزيد من الاختلاف حول القضايا المطروحة، فسوف يعرقل ذلك مسعى القاهرة، وعليه فإن قدراً كبيراً من المسؤولية يقع على الفرقاء السودانيين، وينبغي أن يكون لديهم النية والإرادة الصادقة لإنهاء الحرب بالبلاد ووقف معاناة الشعب السوداني، بعيداً عن الأجندات الحزبية والشخصية الضيقة، مع ضرورة تقديم الأطراف تنازلات للوصول إلى كلمة سواء تخرج السودان مما هو فيه، كما يتطلب نجاح المسعى المصري أن تظل القاهرة مستمرة في مساعيها وبذل مجهود أكبر وعدم اليأس من لعب دور قوي في هذه الأزمة بالغة التعقيد.
جولة استكشافية
وبخصوص عدم تقديم الدعوة لبعض الجهات، رأى خبراء تحدث إليهم “المحقق” أنه ينبغي أن يفهم بأن هذه الدعوة المصرية هي جولة استكشافية، وهي محاولة لبناء علاقات على أسس جديدة، أما اعتذار حركتي عبد العزيز الحلو وياسر عرمان عن قبول الدعوة، فيبدو أن الحلو لديه حسابات مختلفة في هذا التوقيت، أما عرمان فيبدو أن خلافاته داخل تقدم كانت سبباً في اعتذاره عن الحضور.. ويبقى السؤال: هل سيستطيع مؤتمر القاهرة تحقيق المرجو منه في هذه المرحلة وسط كل هذه التعقيدات؟
منهج صحيح
من جهتها رأت الدكتورة “أماني الطويل” مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن فكرة تقديم الدعوة لأحزاب كان منهجاً صحيحاً قفز على تجاذبات الكتل، وأضافت الطويل لـ “المحقق” إن الدعوة قدمت لأحزاب لديها مشروعها السياسي، وكذلك بعض الشخصيات التي تحظى بتأثير على المشهد السوداني، مؤكدة أنه منهج صحيح في هندسة الدعوة، واعتبرت أن ذلك خطوة أولية لاستكشاف مواقف الأطراف في محاولة لبلورة خارطة طريق لاتعتمد على طرق الإجتماع مع أحد الأطراف، وقالت إن القاهرة خلال الفترة الماضية استضافت عدداً من السودانيين، ولا أنظر أن يومي المؤتمر هو اللقاء النهائي، أو أنه انحياز لطرف على حساب طرف، منوهة إلى أن الدول دائماً تتعامل مع الأوزان التي لها تأثير واقعي في المعادلة، وقالت من الطبيعي في مراحل مقبلة احتمال الانفتاح على جهات أخرى، لافتة إلى أن التوسع في التعامل مع الحساسيات المختلفة من الممكن أن يحدث حالة من التشظي لا تساعد في بلورة خارطة طريق، موضحة أن المؤتمر جولة استكشافية، وأنه لاينبغي أن ينظر إليه على أنه سينهي الحرب، وقالت إنه محاولة لبناء علاقات جديدة على أسس جديدة.
خطوط حمراء
بدوره لفت الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني “مكي المغربي” عدم اهتمامه بطريقة تقديم الدعوات، وتصنيف المدعويين على أساس أحزاب أو كتل. وقال المغربي لـ ” المحقق” الأهم من ذلك هو أن يعي المؤتمرون بأن هناك خطوطاً حمراء يفرضها الشعب السوداني، مضيفاً إذا تم التعامل بوعي وعقلانية من قبل تنسيقية “تقدم” مع هذه الخطوط الحمراء وتراجعهم عن مواقفهم، أتوقع أن يصلوا إلى حل، وتابع إذا لم يحدث ذلك سأحمل تقدم مسؤولية عدم تحقيق المؤتمر لأهدافه.
غير مقبول
وأوضح المغربي أن الخطوط الحمراء التي أشار إليها تتمثل في أن المليشيا كيان معتدي على الشعب، وأنها مارست ممارسات ليس لها علاقة بكفاح أو ثورات، وأنه لا يجوز تصنيفها على أنها حركة تحرير أو حركة مطلبية أو جهوية، سوى أنها مجموعات إرهابية عنصرية تضج بالمرتزقة والمأجورين، وقال أما تمييع الأمر بالحديث عن أنها طرف لن يقبله الشعب السوداني، مشدداً على أن السياسيين إذا جاءوا للتوافق على حكم السودان فهذا ممكن، أما إذا جاءوا للدفاع عن المجرمين فهذا غير مقبول، وقال عليهم أن يعلموا أن الدعوة جاءتهم كشخصيات لديها رؤاها السياسية، وليس لمواقف دولية وإقليمية تصب في خانة المليشيا، مشيراً إلى تساؤل الجهات التي لم تقدم لها الدعوة، وإلى أحقيتهم في هذا التساؤل.