أنت الذي لا أعرفه

مالك محمد طه
ما الذي يجعل علاقة قديمة وعميقة بين صديقين تنهار؟.
كيف تتحطّم العلاقة الزوجية التي امتدت لسنوات بين الزوجة وزوجها؟
كيف يتفاجأ الأب بسلوك خارج عما ألفه عن ابنه؟
لماذا تتفاجأ الأم بتصرف غير معهود من بنتها؟.
لماذا تنقلب أحيانًا أفضل العلاقات إلى أسوأ العداوات؟ لماذا يمكن أن يحدث العكس أيضًا، فتتحول العلاقات السيئة الى حسنة، ويرتفع الخصام ويسود الانسجام والتفاهم بين الغريمين، أين هي نقطة التحول في هذا المد والجزر؟.
الراجح هو أن أحد الطرفين في أي علاقة – مما ذكرناه في الأعلى- قد تعرّف للتو على نسخة جديدة من صاحبه لم يتصفحها من قبل، ولم يكن مستعدًّا ليتقبّلها بعد أن ظهرت له وتصفّحها، لأن غالب- إن لم تكن كل- العلاقات والتصرفات حيال الآخر تقوم على نسخة محددة، أو على تصوّر بوجود نسخة واحدة لا تقبل الحذف ولا الإضافة.
يقولون إن الانسان ليس نسخة واحدة، هو مجموعة من النسخ كامنة بداخله، وانما تظهر النسخ الجديدة بفعل عامل خارجي، قد يكون عاملًا بيولوجيًّا يقوده إلى النضج والرشد، وقد يكون عاملًا معرفيًا، وقد يكون عاملًا بيئيًا، أو يكون كل ذلك، أو بعض ذلك، أو غير ذلك.
لكن كل هذه العوامل أو بعضها تشكّل في النهاية الطورانية التي خلق منها الإنسان (وخلقناكم أطوارًا) والمعنى هنا أوسع من أن يُقصر على تطوّر الجسد بمعناه المادي وتقلبّه بين الأرحام والأصلاب من نطفة إلى اكتمال النمو، وإنما هي طورانية سلوك وتعامل وأسلوب، هذا الأسلوب والسلوك قد يجعل الإنسان في (أحسن تقويم) أو يرده إلى (أسفل سافلين).
ربما يقود إدراك هذه الفرضية الغائبة إلى أن يوفر لكل طرف من أطراف العلاقات الإنسانية المتعددة مساحة تتيح له أن يتفهم كثيرًا من المواقف والتصرفات التي لم يكن يتوقعها من الطرف الآخر، إدراك هذه الفرضية هنا أقرب الى تحقيق المقولة الرائجة (أحبب صديقك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض عدوّك هونًا ما عسى أن يكون صديقك يوما ما).
أما الادعاء بأنّنا نعرف فلانًا حق المعرفة فهو المكمن الذي يأتي منه عدم التفهّم للسلوك والتصرفات التي لم نكن نتوقعها، لا لشيء إلا لأننا وقفنا على نسخة واحدة لهذا الذي زعمنا أننا نعرفه بصورة تامّة.
كل ما أدركنا أنّنا نعرف نسخة واحدة من هؤلاء الذي نقيم معهم علاقة ما، كان ذلك أقرب إلى إدراك أنه ” داخل كل شخص تعرفه، شخص لا تعرفه”.
*نشرت بمجلة أرامكو لايف