الدعم السعودي للسودان.. ذاكرة ماضية ورؤية لمستقبل مشترك

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
بات من المؤكد أن المملكة العربية السعودية عازمة على دعم الاستقرار وإعادة الإعمار في السودان، وهو موقف تاريخي ومتجدد يعكس عمق العلاقات الأخوية بين البلدين، وحرص المملكة على أمن السودان وسلامته كجزء لا يتجزأ من أمن الإقليم واستقراره.
هذا الموقف يعيدني بالذاكرة إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وتحديداً في الأعوام 1987 – 1988، حين كنا طلاباً بكلية الشرطة. في تلك الفترة، شهدنا بأعيننا تدشين أسطول كبير من سيارات الشرطة – لاندكروزر بيك أب (تاتشر) وبكاسي تويوتا – جميعها كانت من موديل العام.
وقد سمعنا وقتها أن تلك العربات كانت هدية سخية من المملكة العربية السعودية إلى السودان، دعماً لقوات الشرطة وتعزيزاً لقدرتها في حفظ الأمن والنظام.
وعقب تخريجنا في فبراير 1989، باشرنا العمل مباشرة ضمن مشروع تأمين ولاية الخرطوم، واستخدمت تلك العربات في مهام الإرتكازات الأمنية. حيث تم توزيعها على مختلف محليات الولاية وربطها بشبكة اتصالات لاسلكية متطورة في ذلك الوقت، تربط بين عربات الارتكاز وغرفة القيادة والسيطرة، مروراً برئاسة شرطة العاصمة القومية وقتها (المديرية) مكان مجلس الوزراء الحالي. ولا زلت أذكر أن نداء عربة الارتكاز التي كنت أعمل عليها كان يحمل الرقم (23).
إنها تجربة أمنية ناجحة ما كانت لتتحقق لولا دعم الأشقاء، وهي مثال واضح على أن الدعم الموجه للمؤسسات الأمنية لا يعزز فقط قدرة الدولة في بسط هيبتها، بل يخلق نموذجاً عملياً لتكامل الجهود بين الدول الشقيقة.
وإذا كنا قد استفدنا في الماضي من هذا الدعم، فإن الواقع الأمني الحالي في السودان يفرض توسعاً في نوعية الدعم وطبيعته. فنحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى دعم لوجستي مباشر لمرافق حيوية أخرى مثل الإدارة العامة للدفاع المدني التي تبذل جهوداً جبارة في ظل محدودية الإمكانيات، إلى جانب قوات السجون التي تواجه أوضاعاً معقدة نتيجة الظروف الطارئة، وكذلك قوات الحياة البرية التي تحتاج إلى وسائل حديثة لحماية البيئة ومكافحة التعديات على الموارد الطبيعية.
إن توسيع مظلة الدعم لتشمل هذه الإدارات يساهم في تعزيز الاستقرار المجتمعي ويساعد على بسط سلطة القانون في جميع أنحاء البلاد.
إلى جانب الدعم اللوجستي، تبرز الحاجة الملحة إلى توسيع التعاون في مجال التدريب الشرطي المتخصص، من خلال ابتعاث الضباط السودانيين للتدريب في أكاديميات الشرطة السعودية أو عبر إرسال خبراء للتدريب الميداني داخل السودان. ويشمل ذلك مجالات دقيقة مثل مكافحة الجريمة المنظمة، والأدلة الجنائية، وحماية الشخصيات، والتحقيقات الجنائية، وأمن الحدود، وغيرها من التخصصات التي تمثل عصب الأداء المهني الحديث في المؤسسات الشرطية.
كما تبرز أهمية إعادة إعمار وتأهيل أقسام الشرطة التي تعرضت للدمار أو التخريب جراء الحرب، بما يضمن بيئة عمل ملائمة تليق برجال الشرطة وتوفر الخدمات للمواطنين في جو من الكفاءة والكرامة. ويمكن أن يكون للمملكة دور محوري في هذا المجال، سواء بالدعم المالي أو اللوجستي أو الفني.
السعودية اليوم تلعب دوراً محورياً في دعم السودان على مستويات عدة: سياسياً وإنسانياً واقتصادياً. ونداؤنا هذا ليس إلا امتداداً لطبيعة العلاقة، واعترافاً بأثر دعم الماضي، واستشرافاً لأثر دعم جديد في الحاضر والمستقبل.
ففي اللحظات التي يتطلب فيها السودان دعم الأشقاء، تبقى المملكة في طليعة من نادى، وتبقى الشرطة السودانية في طليعة من صمد وواجه وتحمل. وإننا على يقين أن روح الأخوة والتعاون ستقودنا إلى مستقبل أكثر أمناً وعدلاً واستقراراً، إذا ما وُجه الدعم في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة.