رأي

علاقات إسرائيل بدول الآسيان ومدى تأثرها بالحرب الإسرائيلية على غزة (الدول الإسلامية نموذجا) 1-4

د. أحمد عبد الباقي

يعتقد ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل( 16 أكتوبر 1886- ديسمبر 1973) البولندي والذي هاجر إلى فلسطين في عام 1902م: “أن الأسلوب الآخر لضمان أمن إسرائيل هو عبر إقامة علاقات صداقة مع جميع الدول والأمم”، لذلك لم تغفل إسرائيل منذ قيامها عن إنشاء علاقات بدول آسيا قاطبة لما لها من ثقل اقتصادي وسكاني وتجاري وهي دول صاعدة مما جعل لها تأثيرات جيوسياسية في العالم خاصة في القرن الواحد وعشرين، استغرقت إسرائيل وقتا طويلا لتتمكن من تغيير صورتها عند دول آسيا التي كانت مقتنعة بالحق العربي في فلسطين خاصة في الخمسينيات والستينيات حينما كانت تنظر هذه الدول لإسرائيل علي أنها وكيل للغرب خاصة أمريكا وسياسته في الشرق، إلا أن سياسة النفس الطويل التي تتخذها إسرائيل أدت إلى تحقيق نجاح كبير نجم عنه تأسيس علاقات سياسية ودبلوماسية مع معظم دول آسيا، ساعد إسرائيل على تحقيق ذلك النجاح أنها تجيد استغلال أي متغيرات دولية أو إقليمية لتعزيز مكانتها الدولية وتحقيق مآربها الاستعمارية كما يحدث حاليا في الشرق الأوسط خاصة بعد مجيء الرئيس ترامب إلي سدة الحكم في أمريكا في عام 2025م ومن قبل إبان رئاسته السابقة 2017-2021 -كما هو الحال- في تبني ترامب للاتفاقيات الإبراهيمية.

مهدت اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر 1978م للسلام بين مصر وإسرائيل الطريق لإسرائيل للسعي لإبرام اتفاقيات سلام مشابهة مع لبنان وسوريا والأردن بحيث تؤدي في النهاية إلى اعترافات متبادلة وتعاون اقتصادي في المستقبل ومن هنا كانت بداية التطبيع مع بعض الدول العربية خاصة التي تقع في غرب آسيا،كما استغلت إسرائيل تسوية مدريد السياسية في عام 1991 لبناء وتوسيع شبكة علاقاتها الخارجية بدول العالم خاصة آسيا ولأهمية هذه المنطقة الجيوسياسية تستعرض هذه المساهمة علاقات إسرائيل برابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بالتركيز على الدول المسلمة التي تضم إندونيسيا، ماليزيا وبروناي مع العلم أن هنالك أقليات مسلمة معتبرة أيضا في كل من تايلاند، الفليبين وسنغافورة ومدى تأثر تلك العلاقات بالحرب الإسرائيلية الحالية علي غزة وما هي مآلات المستقبل لتلك العلاقات.

بعد مؤتمر مدريد في عام 1991م نجحت إسرائيل وبعد مدة من الإخفاق في إقامة علاقات دبلوماسية مع كل من الصين والهند في يناير 1992، بالإضافة إلى تطويرها علاقة دبلوماسية وشراكة استراتيجية مع تركيا ترقى في بعض التحليلات إلى درجة التحالف الذي بدأت تتكشف تفاصيله منذ فبراير 1996م، هذا و تهدف إسرائيل بعلاقاتها بهذه الدول الثلاث وبدول آسيا عمومًا إلى تحقيق عدة مصالح من بينها: فتح أسواق جديدة لتسويق منتجاتها العسكرية، ودعم قدراتها وإمكاناتها التكنولوجية المتطورة في قطاع البحث والتطوير عن طريق التعاون مع هذه الدول، والاستفادة من التعاون الأمني مع هذه الدول في مراقبة عمليات نقل التكنولوجيا العسكرية إلى إيران وبعض الدول العربية بغية الحفاظ على التوازنات العسكرية بالمنطقة بالإضافة إلى تحقيق مكاسب للاقتصاد الإسرائيلي بتوسيع تجارة إسرائيل الخارجية، ولذات الأسباب وطدت إسرائيل علاقاتها مع دول آسيا الأوسطي الخمس عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وتحتفظ حاليًا بعلاقات دبلوماسية على مستوى السفارات مع جمهوريات كازاخستان، أوزبكستان وتركمستان (2023) والتي تبعد عن إيران عدة أميال ،في حين تحتفظ إسرائيل بعلاقات دبلوماسية بتمثيل غير مقيم في طاجيكستان وقرغيزستان.

*رابطة دول (آسيان) والعلاقات الإسرائيلية*
رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) منظمة سياسية تشكلت في عام 1967 في بانكوك بهدف تعاون الدول الأعضاء في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية والتعليمية، ولتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين في المنطقة، وتضم الرابطة: إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلند، جمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية، كمبوديا، بروناي دار السلام، ميانمار وفيتنام، وتُتداول رئاسة الرابطة سنويا بين الدول الأعضاء كما تساعد الرئاسة سكرتارية مقرها جاكرتا-إندونيسيا.

بالإضافة إلى تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين عبر احترام العدالة وسيادة القانون والتقيد بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة،تمثل الآسيان للدول الأعضاء: الإرادة الجماعية لتسخير الجهود والتضحيات المشتركة بينها لبناء علاقات صداقة وتعاون للاستفادة من الموارد الطبيعية والقوة البشرية ؛جبهة لتأمين السلام والحرية والازدهار لشعوب المنطقة وأجيالها القادمة عن طريق حل النزاعات بالطرق السلمية، كما تنتهج الآسيان سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء و احترام الاستقلال والسلامة الإقليمية و عدم الاستنجاد بالقوى الخارجية للتدخل في صراعات المنطقة، وللأسباب الآنفة الذكر تعد دول الآسيان من أكبر تجمعات العالم – مع وجود بعض الاستثناءات- التي تنعم بالاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي، لذا استحوذت دول رابطة الآسيان علي اهتمام إسرائيل بصورة كبيرة خاصة مع وجود ثلاث دول مسلمة وثلاث أخري غير مسلمة ولكن بها أقليات مسلمة معتبرة وبعضها مؤثر، ولعل سعي إسرائيل الحثيث لتمتين علاقاتها بالدول المذكورة لوجود بعض الارتباطات الروحية والثقافية والتجارية بين هذه الدول ومنطقة الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى