
فلاش باك .. من صحيفة “الشرق الأوسط”:
بمناسبة إطلاق مؤسسة “جسر نيوز” الإعلامية السودانية، شهدت العاصمة البريطانية لندن مساء السبت 27 مارس 2016 احتفالية ضمت عدداً كبيراً من السودانيين، حيث تم تدشين كتاب البروفسور كامل إدريس تحت عنوان «السودان 2025: تقويم المسار وحلم المستقبل».
وخلال الحفل تقدم الإعلامي خالد الأعيسر ليلقي كلمته عن إطلاق المؤسسة وتدشين الكتاب. كما تحدث البروفسور كامل إدريس في إيجاز عما سماه مقومات النهضة.
وتحدث في الندوة عدد كبير من المفكرين السودانيين، مثل الأستاذ محجوب حسين والبروفسور بكري عثمان والدكتور صلاح بندر. كما استعرض الدكتور الحارث إدريس الحارث الباحث والدبلوماسي السابق بشكل واف الفصول والأبواب التي يتألف منها الكتاب، مشيرا باقتضاب إلى الأفكار التي تضمنها. كما تحدث الدكتور صلاح بندر عن ضرورة تجديد الصورة للوطن، وأشار في استفاضة إلى ما سماه المشروع الإسعافي وإعادة التأهيل. أما الخبير والأكاديمي في شؤون الإعلام الدكتور مكرم خوري فقد شرح ما يجدر أن تكون عليه الصورة في مجال الممارسة الإعلامية”.
ونظراً لأهمية المواقع التي يتولاها كل من الدكتور كامل الطيب إدريس، والسفير الحارث إدريس الحارث، في الوقت الراهن، يعيد موقع “المحقق” الإخباري، نشر المداخلة التي استعرض من خلالها السفير الحارث، كتاب الدكتور كامل الطيب إدريس، في تلك الأمسية اللندنية قبل أكثر من تسع سنوات، فإلى ما جاء في ذلك الاستعراض للكتاب.
كتاب (السودان 2025 : تقويم المسار وحلم المستقبل)
تأليف بروفسور: كامل الطيب إدريس
استعراض الحارث إدريس
يشكل كتاب البروفسور كامل الطيب رافعة جديدة من روافع الفكر الإصلاحي السياسي السلمي وتوجها طموحا لسبر غور إلإشكالية السياسية السودانية عبر تحليل مقتضب لتجارب الماضي والانطلاق من هياكل وبنيات النظام السياسي القائم لتقديم خطة عمل لنظام الحكم فى المستقبل بدون إصدار أحكام قاسية سوى في بعض المرات حول الأحزاب السودانية. ولعل مرد ذلك إلى خلفيتة المهنية ؛ فهو أحد أبرز الدبلوماسيين السودانيين الذين صقلت مواهبهم وزارة الخارجية قبل أفول خصوصيتها المهيبة وجمود كينونتها الفريدة. ثم إنتقل منها إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية والتي في اروقتها مارس الدور القيادي والريادي الأممي المتمثل في انتخابه مديرا عاما للمنظمة العالمية للملكية الفكرية مما شكل إنصافا نادراً لقارة أفريقيا والدول النامية.
والبروفسور كامل الطيب في مسعاه لتمليك السودانيين حقوق ملكيتهم الفكرية التى يجسدها هذا السفر الأنيق وتدشينه الذي يعد بشارة استهلال للانتقال إلى التخطيط للمستقبل وهو فضاء عريض لا يستوفيه كتاب واحد أو مؤلف واحد ؛ بل يستدعي تضافر جهود النخب السودانية الحديثة توطئة لتجاوز حواجز النعرات العرقية والتمثلات المؤدلجة والارتهانات المسيسة التى غدت أدلوجة للنظام الحالي وغيرها من المقعدات التي حاقت بالسودان المعاصر منذ استقلاله.
ويمكننا تزخيم الرؤيا المتاحة بالبحث عن شراكة فكرية جديدة من أجل سودان المستقبل الديمقراطي التعددي المرتجى، يلعب فيه المثقفون دور الطليعة لأنهم حملة مشاعل التنوير والتطوير والتحرير والتثوير وبدور مزدوج تشمر له السواعد وتحشد من أجله الهمم وتدّخر من أجله الطاقات.
وهو حلم يؤمل له أن يكون مؤتلفاً طبعاً ومختلفاً عقلاً عما سبقته من أحلام بقدر جسامة الأغلال التي تحول دون تفجير السودان وافر طاقاته الابداعية لكي يبلغ رشده السياسي وسمته الاقتصادي وتبلوره الثقافي وواحديته الإيمانية وتعدديته الثقافية وهويته المتفردة حتى ينتفض السودان من عثراته الثقال لتجديد كينونته الجامعة غير المانعة، المتقدمة غير المتهيبة، ولتجديد شباب العقل السياسي ليغدو السودان بلداً حراً للأجيال القادمة حادياً للأحرار وثائراً ضد الظلم بانتفاضات الثوار ويستعيد براءة اختراعه الدائمة المختومة بأمواه النيل العذبة …الحرية المطلب الغائي …للسودان والسودانيين ولسواهم.
ولسنا بصدد تقييم الكتاب في هذه العجالة التى أعددناها للمشاركة فى فعالية التدشين المحددة بزمن لا يتجاوز سبع دقائق ؛ ولكنا سنعود بإذن المشيئة لإبداء الرأى حول أطروحاته وبشكل نقدي طالما أنه يتعلق بالسودان ماضيه ومستقبله ضمن الحيز الزمني بتمام سقفه فى عام 2025 ؛ والتي نأمل عندها أن يكون السودان قد أكمل انتقاله من موبقات وعثرات نظام الانقاذ وهيأ نفسه للعب دور جديد وقيادات جديدة ضمن عالم متغير نتناول متغيراته فى وقت لاحق ضمن تحديات الدبلوماسية السودانية في الألفية الثانية.
واتخذ الكتاب المعنون السودان: 2025 تقويم المسار وحلم المستقبل، حكمة مفادها أن “كل تصور فكري لا ينغرس في التراث الأصيل للأمة ولا يهدف إلى مصلحتها فى تجرد مخلص ويكون قادراً على الاستجابة للحاجات والطموحات المتجددة سينهار ويتبدد هدراً دون طائل جدوى فى حياة الناس” مسترشداً بتراكمات الفشل والنجاح التاريخية للتواصي على استراتيجية تستهدف المستقبل للانتقال بالسودان خلال عشرية زمنية إلى مصاف الدول المتقدمة.
وهذا مرام طموح و محفوف بالصعاب إلا أنه شرعي فى نظر المؤلف. وبوصفه أحد القيادات الدولية – الأممية المواكب للتطورات الدولية يذّكر أن اليابان استطاعت الانتهاض من وهدة حطام القنبلة الذرية إلى الريادة التكنولوجية اعتمادا على تراثها وقيمها ؛ وبالمثل استطاعت ماليزيا بهوية إسلامية أن تنتج مثالاً جديداً لنجاح الدولة التعددية ؛ كما أفلحت الهند كدولة علمانية مقارنة فى إقامة نموذج لدولة ديمقراطية بمواطنة واحدة رغم تعدد الاثنيات والأديان وتشعب الثقافات واللغات.
ويناقش المؤلف القضايا الرئيسة مثل الهوية الوطنية للسودان وأهميته الاستراتيجية والجيوسياسية والتحولات الإقليمية والدولية بعد تقلص مساحة السودان إلى المرتبة الثانية بعد الجزائر فى أفريقيا والثالثة بعد الجزائر والسعودية فى العالم العربى مع التفاوت الملحوظ بين حجم السكان (33 مليون) وحجم كتلة اليابسة السودانية: ومن جهته فقد ظل السودان يخضع إلى مؤثرات دول الجوار وبالأخص مصر و إثيوبيا وتداعيات الانفجار السكاني فى الدولتين واستمراره بجانب السلبيات الاستراتيجية المتمثلة فى الآثار السالبة على موارد البلاد ونظمها الاقتصادية والأمنية والإجتماعية ؛ الناجمة من صيرورة السودان محطاً للاجئين الأفارقة فضلاً عن الممارسات غير القانونية مثل التهريب وتجارة السلاح والاتجار فى البشر ونزاعات المراعي.
ويحتوي الكتاب على عشرة فصول ضمت أطروحة تتناول تجارب الماضي والقضايا الرئيسة الحاضرة والمستقبلية فى أكثر من 450 صفحة من القطع المتوسط :
– أهمية التوثيق التاريخى للاحداث المهمة بغرض التماس العبر
– الامكانات والموارد الطبيعية الهائلة كانت محصلتها سالبة جراء سوء الإدارة وضعف التخطيط وغياب الرؤية كما أن الانشطارات والنزاعات أدت إلى عدم تحقق تلبية مطامح السودانيين
– لا بد من وقف الحروب والنزاعات غير المبررة للتفرغ لبناء الدولة وينبغى إيلاء الأسبقية للتوافق على مشروع وطني للنهضة تعززه الحريات والدستور التوافقي.
– صياغة نظام حكم أمثل يتماشى مع تاريخية البلاد وتركيبتها الاجتماعية والاقتصادية ويرتكز على تقاليدها وآدابها الشعبية.
– جعل الإنسان محور التنمية المستدامة والاستثمار الرئيس.
– تحقيق العدالة الاجتماعية
– ضرورة إنفاذ الأهداف الانمائية للألفية التى أسهم المؤلف فى رسمها وصياغتها فى سبتمبر 2000 بإعتماد إعلان الامم المتحدة للالفية
– ضرورة تصميم مشروع وطني لتسويق السودان بخلق قيمة مضافة لتحسين صورته السالبة
– الهوية الوطنية قضية تحظى بالأولوية على غيرها من الهويات الاثنية والثقافية لا سيما أنها أضحت إلإشكالية الرئيسة في السودان بحيث أفضت إحداثياتها إلى إنفصال الجنوب وحرب دارفور فى طورها الثاني إذا اعتبرنا أن أنشوطتها البدئية كانت بفعل الخلاف بين الإسلاميين ودولتهم.
إن السجال حول أطروحات الهوية ودلالاتها لا يزال محتدما لا سيما إثر الفتق الاثنى والتضاد الجهوى حيث يشير المؤلف إلى نماذج تعايش الهويات المتعددة التى تجسدها تجربة قائمة بلدان تضم كلاً من سويسرا وكندا والهند وبريطانيا وجنوب أفريقيا وسنغافورة، ويطالب بأخذ تلك النماذج فى الحسبان.
وهنا يحك السؤال لب القارىء ؛لماذا صارت الهوية وسياساتها أداة قهرية للانسان السوداني وليست محفزاً تحررياً وإبداعياً وذلك باختصارها على تشيؤآت حول الحالة القبلية -الاثنية .
ولقد شرح لى أحد السفراء صعوبة الحصول على خدمة من المصالح الحكومية بدون مجابهة السؤال اللدود: جنسك شنو؟ وهو السؤال الذى رد عليه البرت إينشتاين فى مطار نيويورك حينما سوئل عن اثنيته بأنه “هومو سابينيز” Homo sapiens
ويبدى المؤلف استغرابه من المماحكات الإجرائية للحصول على الرقم الوطني المقيد بالحالة الاثنية والقبلية التى تعمق الشرخ الاجتماعي . ثم ينادي من مكان قريب لدراسة انفصال جنوب السودان بشكل علمي لاستجلاء العبر بهدف تبني رؤية علمية لإمكانية عودة البلدين إلى شكل من أشكال الوحدة الممكنة ولو تحت إطار كونفدرالى ؛ للحيلولة دون تصّير الانفصال الجغرافي إلى إنفصال وجداني .
إن تقسيم السودان على أساس إثني والنسبة التى تم تخصيصها للجنوب فى قسمة الثروة النفطية كان سبباً مغرياً على الانفصال “المنفطن” إن شئت وتراجع أمل الوحدة الجاذبة. وإن الابقاء على 20 بنداً في قضية الحدود وبروتوكولات أبياي وجنوبَىّ كردفان والنيل الأزرق بلا حسم أدى بدوره إلى نزاعات وحروب مستجدة. كما يذكرنا المؤلف أن المتغيرات والتحولات الدولية بعيد انتهاء الحرب الباردة أدت إلى تغيير خارطة العالم وأثرت بدورها على السودان ؛ والتى انتظمتها مثالات ومفهومات جديدة يعددها في القوى الناعمة في المثال الصيني ؛ والمزاوجة بينها وبين القوة العسكرية فى المثال الروسي وتسديد الديون الخارجية فى المثال التركي؛ والمثال البرازيلي المتمثل في انتشال 20 مليون نسمة من ربقة الفقر مع الإشارة إلى النمور الآسيوية وانموذجها الناجح. ولا تفوته كذلك المتغيرات الجوهرية التي طالت الصبغة القانونية لمفهوم السيادة الترابية الكلاسيكية التى خضعت لسيادة المجتمع الدولي ؛ المتكاملة مع مبدأ عالمية حقوق الانسان المتضادة مع أطروحة الخصوصية الثقافية فضلاً عن مؤشر حرية الإنسان والتطورات الماثلة فى مجال العدالة الدولية بتأسيس المحكمة الجنائية الدولية حيث قعدت رؤية نظام الانقاذ عن الوصول إلى عمق وأهمية تلك التحولات العالمية.
وهذا يوجب الإعتبار الكافي من تجارب الأمم والدول . وخلاصة القول حيال الثابت والمتغير في الاشكالية السودانية والتي لخصها المؤلف فى نهاية الباب الأول بمعاناة السودان من الاستقطاب السياسي الحاد بجذوره التاريخية المعقدة وأن الطريق المثالي للخروج من حتميته هو “الحوار الوطني الذي يهيىء المناخ لبناء دولة السودان الحديثة “؛ ويقيم جسور الثقة بين أطراف النزاع السوداني وإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والوقف التام لإطلاق النار وكفالة الحريات العامة وبدء عمليات الإغاثة الإنسانية غير المقيدة أو المشروطة. لا سيما أن غالبية التيارات السياسية تنبذ العنف وترفض التدخلات الخارجية.
ويقترح المؤلف مبادىء لحل النزاع السوداني تقوم على إعلان التمسك بوحدة الوطن والعمل لوقف الحرب والبحث الجاد لإحلال السلام العادل والشامل والتوزيع العادل للسلطة والثروة ولامركزية الحكم الاتحادي لضمان التعددية الثقافية وديمقراطية الحكم السياسي الضامنة للفصل بين السلطات وسيادة حكم القانون والتعاقب السلمي للسلطة وفق انتخابات شفافة حرة ونزيهة وكفالة حرية المعتقد الديني والحريات العامة واقتصاد السوق الحر المستوفي للعدالة الاجتماعية ؛ وحق المسلمين وسائر الملل الدينية فى تطبيق مقاصد الشرائع واحترام المساواة فى المواطنة ؛ وإقامة العدالة الانتقالية بالتوفيق بين المساءلة والاستقرار وتكامل وتوازن دوائر الانتماءات السودانية الإربع : العربية – الأفريقية – الإسلامية والدولية ؛ وانتباذ العنف حكومة ومعارضة وعدم الاستنصار بالقوى الأجنبية وقبول الجهود المبذولة من قبل الاشقاء لتسهيل الحوار الوطني وإعفاء الدين الخارجي ورفع العقوبات الاقتصادية ومعادلة تماذج بين الاستقرار والمساءلة فى قضايا حقوق الانسان ؛ وتقييد صلاحيات جهاز الامن فى المادة 151 من الدستور الانتقالي لعام 2005 واستعادة الصلاحيات الفيدرالية المنتقصة.
وحول مستقبل الدولة السودانية يؤسس المؤلف رؤيته الطامحة إلى دولة نموذجية تقوم على حزمة من المفاهيم والمبادئ ْالتالية:
– ماعون فكرى متنوع
– دستور دائم يشتمل على مفهوم الواجب الوطني
– فهم مستنير للمشترك الإنساني بهدف دفع استحقاقات التعددية بوصفها حق لكل مواطن بيد أنها مشروطة بنبذ العنف والتزام المساواة.
– قيام النظام السياسي على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون ومراعاة التوازن للحد من الاستقطاب وفق التراضي
– مشروع إقتصادي تنموي لحماية إقتصاد السوق الحر المستهدف للعدالة ومكافحة الفقر وبلورة منهج إنتاج وتصدير القمح والتقنيات الجديدة.
– تأصيل الاقتصاد التعاونى .
وحول إشكالية الدين يشير المؤلف إلى مفهوم الإخاء الإيماني والإنساني ecumenical brotherhood للتوصل إلى ما أسماه “التسوية الحكيمة”. ويقدم أطروحة بعنوان “رؤية المستقبل” التي تبدو مثل أجندة ضافية ألخصها فى النقاط التالية:
– استدامة السلام عبر السعي لتحقيق إجماع ووفاق وطنيين شاملين تحفيزا لبناء الوطن وفق أسس عادلة وديمقراطية مع المثابرة على العمل المبدع وتشمير السواعد للحاق بركب التنمية والتقدم.
– الالتزام الحقيقي بإنفاذ بنود اتفاقات السلام بكليتها مقترنة بإشاعة ثقافة السلام فى العقول والنفوس وتنشئة الأجيال على التسامح والتكافل وفق خطة رصينة مشفوعة بعمليات تنوير ووعي وتعبئة تشد بعضها بعضا. وإن الانفصال وإن وقع بالفعل إلا أنه ليس حلاً أمثلا ؛ فالأجدى علاج الظلامات التاريخية والسياسية عبر الخطط التنموية المتوازنة والمشاركة فى السلطة وإقتسام الثروة بشكل عدالي.كما ينادى المؤلف بضرورة استجلاء العبر من تجربة إنفصال الجنوب والسعى لتأهيل المناطق المتأثرة بالحرب لأجل تأمين وإستدامة السلام وإعادة النازحين واللاجئين إلى مواطنهم الأصلية وبناء ثقافة السلام المستدام لجعل الوحدة المنشودة ممكنة . – وحول جوهرية نظام الحكم ودوره المفتاحي فى بناء الأمة والدولة الوطنية يطالب المؤلف بمواءمة نظام الحكم السياسي للظروف الاجتماعية واستصحاب عوامل الرضا والمشاركة المتاحة لمختلف مكونات الأمة الثقافية والعقدية التواصي على مقياس لقدرة النظام المرتجى على تحقيق التنمية والعدل والإنصاف السياسي والاجتماعي والثقافي وعدم الخلط بين مفهومي التنمية والنمو الإقتصادى .
ويرى كذلك أن ثمة رؤى صحيحة تعرضت إلى التطبيق العاثر وأنه لم يتأت التعبير عن التنوع فى نظام الحكم أو البنية الهيكلية للدولة ولا فى الإعلام القومى ؛ إلا بعيد التاسع من يونيو 1969 الذى أقر بخصوصية الجنوب التى بلورت اتفاقية أديس أبابا 1972 ودستور 1973 .
– وبشأن الحكم المركزي فقد ابتدأ كبدعة إستعمارية ثنائية تركية – بريطانية تم تجاوزها بعد الاستقلال بإستحداث صيغة الحكم اللامركزي والذي ابتدأ في تأصيله الفكري فى الخمسينات ثم تطور فى شكل قوانين للحكم الذاتي والحكم الإقليمي وفي مرحلة الانقاذ تم تطبيق الحكم الاتحادي… أما صيغة الحكم الاتحادي فقد انعقد إجماع وطني حولها مع قبول المناطق المهمشة لتلك الصيغة ليشكل مخرجاً من التهميش ومدخلا لقسمة الثروة والحكم الراشد بتأثير مباشر من مرتكزات المؤتمر العالمى للتنمية المستدامة فى جوهانسبرج (2002) والتى تنشد القضاء على الفقر.
– المطلوب إعادة النظر في أجهزة الدولة الاتحادية وإعادة هيكلتها وفق أسس قومية لتحقيق المشاركة العادلة في السلطة والقسمة المنصفة للثروة. – ويصف الحكم الاقليمى بفكرة لدرء مخاطر نشوب الصراعات بين المركز والاقاليم والبينية داخل الاقاليم لتحقيق التوازن الهيكلى ؛ ويدعم المؤلف تقسيم بنية الدولة المؤسسية وفق البنيات الموجودة حالياً أي أجهزة الدولة الاتحادية والولائية والمحلية لكفالة الحقوق والواجبات المواطنية وتطبيق المساواة وفعالية المشاركة في صنع القرار واتخاذه.
– ونظراً لأن أجهزة الحكم الاتحادي وحدها لا تحقق التنمية و قسمة الثروة المنصفة يقترح أخذ المبادرة بابتداع صيغ ديمقراطية وآليات للمشاركة الشعبية مثل المجالس واللجان القومية لتقليل حدة تضارب السلطات. كما يقترح إنشاء مجلس قومي للتخطيط ترفده العديد من الشعب المتخصصة ؛ ويحدد على سبيل المثال مجالساً قومية لحوار الأديان والثقافات / والطفولة والأمومة/ والمرأة والأسرة / والشباب والطلاب / والصحافة والرياضة / والتراث الشعبي والتخطيط اللغوي.
ويعتبر المؤلف منظمات المجتمع المدني أبرز دعامة للحكم الرشيد لسدها الفجوة الماثلة بين الدور الحكومي وحاجيات المجتمع نظراً لضعف إسهام المنظمات الوطنية فى الحياة العامة وإفتقارها للموارد والخبرات. كما يطالب بالاهتمام بالمنظمات الفئوية والجماهيرية والطوعية والاتحادات المهنية والجمعيات العلمية وإشراكها فى الشأن العام لتتولى تعبئة القوى البشرية لصنع التقدم واستدامة التنمية ؛والتى تقوم فى السودان بأدوار أكبر مما تقوم به السفارات من انشطة أمنية واستخبارية وإعلامية ما يمكن وصفه ب “خصخصة السفارات “.
وينبغي الإتفاق على أسس ثابتة لنظم الحكم وتعاقب الحكومات والالتزام بالثوابت الرئيسة المتفق عليها وهي مسألة ظلت عاثرة منذ الاستقلال.
ترسيخ الوحدة الوطنية أدى إلى صد التآمر على السودان وشيوع القيم الدينية بشتى منابعها أسهم فى تشكيل وجدان السودانيين وترسيخ نزعة التوحد والتكافل حيث يعدد أهم أسس التوحد كالتالى:
الوعى بأهمية الوحدة الوطنية يكون بتعديد الفوائد / الاعتراف بالتنوع وحسن إدارته /تجسير الفجوة التنموية فى الأقاليم/ الحقوق والواجبات تنبثق من المواطنة والمساواة أمام القانون/ المشاركة الشعبية في الشأن العام / اتخاذ القيم الدينية والعادات والتقاليد الايجابية قوة دفع وتعبئة ومساواة وعدل/ رعاية أسس الوحدة وبناء النظام السياسي الجديد وتحقيق التنمية المتوازنة مسؤولية ينهض بها المجتمع بكليته / تعميق الإنتماء الوطنى عبر شراكة المواطنين فى تحديد المشاكل والاسهام فى حلها / تأسيس الديمقراطية واستدامتها وتعميم الوعي بخصائصها ومفاهيمها/ دستور المستقبل يحصن السلام ويرعى التنوع ويحدد الواجبات ويصون الحريات والحقوق ويؤصل التعددية ويؤمن المشاركة ؛
ويقترح المؤلف إدخال نظام المجلسين – مجلس النواب ومجلس الشيوخ . وأن يقتصر التمثيل فى الدوائر الانتخابية على دوائر جغرافية وفق الكثافة السكانية ودوائر فئوية / وأن الخدمة المدنية لا تتغير بتغير الحكومات وعليها التمتع بالنزاهة والحيدة والشفافية وأن تبعد عن التسييس والتطهير والفصل التعسفي. وتأكيد دور منظمات المجتمع المدني بالنهوض بمهام المرحلة القادمة فى السودان بالانتقال إلى الديمقراطية الشاملة / على المثقف السوداني أن يتجاوز الدور التقليدي المتمثل فى النقد والعلاقة المأزومة مع السلطة والنفور منها إلى منتج خلاق يسهم في تطوير السودان ونهضته وصياغة المجتمع وتوجيهه عبر الصناعات الثقافية.
وحول الجيش يرى المؤلف أن القوات المسلحة السودانية لعبت أدواراً مباشرة فى السياسة السودانية منذ ما قبل الاستقلال عبر مرحلة الانقلابات العسكرية الثلاث المباشرة ؛ إذ حكمت السودان نظم عسكرية لمدة ذرّفت على الأربعة عقود ؛ مما أدى إلى التشكيك فى حيدتها وقوميتها وبنائها القاعدي وقدرتها على القيام بمسؤولياتها الأساسية ؛ فالمطلوب العمل على ضمان قوميتها وحيدتها وتمسكها المتين بالديمقراطية وشرعية الحكم المدني من الاستقطاب السياسي الحاد ذي الجذور التاريخية الشديدة التعقيد
وأخيرا فإن القطاع الخاص شريك فى الاقتصاد الوطني والتنمية وتوفير فرص العمل مع رسوخ دوره فى التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي الدولي والدبلوماسية الشعبية.
ويطالب المؤلف الأحزاب السياسية أن تعمل على نبذ العنف وإعادة بنائها التنظيمي وتطوير برامجها على أسس ديمقراطية مع تغيير مفهوم السلطة داخلها وربط القيادة بقواعدها واتباع الاساليب السلمية الديمقراطية.