القيادة الغائبة في السودان: القائد المنظومي أم التقليدي؟ (3-4)

د. إسماعيل ساتي
سنستعرض في هذا الجزء الثالث من هذه السلسلة، أمثلة لقضايا سودانية حرجة، تتصل بموضوعنا الرئيسي.
فالسودان، كغيره من المجتمعات المعقدة، يواجه عدداً من الأزمات التي تشهد تشابكية وترابطية عميقة، وهي أزمات يحتاج القائمون على شؤوننا أن يدرسوها من منظور الفكر المنظومي الحركي (Systems Dynamics). إذ أن هذا النهج يُمكّن القادة المنظوميين من فهم ورسم خرائط حلقات التغذية الراجعة التعزيزي منها والتوازني، وإدراك التأخيرات الزمنية (Time Delays)، والعلاقات اللاخطية، والهياكل المنظومية الكامنة وراء المعضلات المزمنة والتي تخلق الأزمات المعقدة، مما يتيح تقديم حلول أكثر فاعلية لآماد بعيدة.
من الأسباب التي تجعل من الفكر المنظومي أنسب المنهجيات لدراسة ومعالجة هذه الأزمات، بالنظر إلى كل أزمة على حدة كمنظومة، أنها تساعد الدارس على فحص ترابطياتها مع مكوناتها المنظومية ووضع يده على تفاعلاتها فيما بينها، وهو أمر في غاية الأهمية، ذلك أن كل واحدة من هذه المشكلات إنما هي منظومة تنطبق عليها الإرشادات المنظومية بالكامل، ومن هذه الإرشادات:
• أشرك أصحاب الشأن الخاصين بالمنظومة تحت الدراسة.
• المرئيات الفردية لا تمثل النموذج الأمثل، بل يجب جمع كافة الآراء لأصحاب الشأن داخل المنظومة قيد الدراسة، من أجل بناء نموذج منظومي واقعي.
• لا تحل المشكلة الخطأ.
• افهم الهدف جيداً ببصيرة منظومية واعية.
• أنشئ النموذج المناسب الذي يحاكي الواقع ثم اختبره قبل البدء في تنفيذ الحلول (النموذج يمكن أن يكون رياضياً أو فيزيائياً).
• فكر كمصمم منظومي للمنظومة الكلية حتى لا تعالج أشياء جزئية بمقاربة تفتيتية.
• إدرك وبيّن بياناً بصرياً العلاقات الترابطية بين أجزاء ومكونات المنظومة قيد الدراسة.
• تذكر أن مشاكل اليوم، حلول الأمس.
• كلما دفعت المنظومة في اتجاه، كلما دفعت هي في الاتجاه المعاكس.
• ينمو السلوك بشكل أفضل قبل أن يسوء.
• الخروج السهل يؤدي لدخول سهل.
• قد يكون العلاج أسوأ من المرض.
• قد يكون الأسرع أبطأ «تمهل حتى تصل سريعاً»
• السبب وتأثيره قد يكون خارج أطر الزمان الآني والمكان الحالي؛ (مثال: تأثير الفراشة).
• التغييرات الصغيرة قد يكون لها نتائج كبيرة، إلا أن نقاط الرفع العظمى لا تكون ظاهرة لمن لا يبصرها.
• تذكر أن لا شيء في الحياة أبيض أو أسود. مشاكلنا جميعها بين اللونين.
• تقسيم فيل إلى نصفين لا ينتج عنه فيلين صغيرين.
• إصبعك الذي ترفعه للوم أحد غيرك سوف يرتد إليك، فالكل متصل.
ولأننا سوف نتبنى المدرسة الحركية للفكر المنظومي، فدعونا نستعرض معاً ما الذي تفعله هذه المنهجية للأزمات والمعضلات التي يعاني منها السودان منذ أمد بعيد.
• عدم الاستقرار السياسي المزمن وانهيار الحوكمة: هي قضية منظومية لأنها تتضمن حلقات تغذية راجعة متعددة تشمل فقدان الثقة بالمؤسسات والصراعات على السلطة وعسكرة الحياة السياسية والتدخلات الخارجية وأزمات الشرعية. واستخدام الفكر المنظومي الحركي يساعدنا على نمذجة تآكل الثقة المؤسسية وإعادة بنائها، كما يساعد في تبيين نقاط التحول في العلاقات المدنية/العسكرية وفي تأثير التدخلات على الاستقرار السياسي.
• النزاعات القبلية والصراعات المجتمعية: هي قضية منظومية لأنها تبين بوضوح الترابطية والتفاعلية بين المظالم التاريخية والتنافس على الموارد وقضايا الهوية والعنف الانتقامي وتظهر بصرياً حلقات التغذية الراجعة التعزيزية (الجامحة) منها والتوازنية. ويستخدم الفكر المنظومي الحركي في محاكاة أسباب تصعيد أو تهدئة العنف، وتبين بصرياً العلاقة بين تخصيص الموارد ومسببات الصراع، كما تبين ديناميكيات بناء السلام.
• النزوح الداخلي وأزمات اللاجئين: يُعد النزوح سبباً ونتيجةً لانعدام الأمن (من قبل اندلاع هذه الحرب) والفقر وضعف تقديم الخدمات العامة. والدعوة لاستخدام الفكر المنظومي الحركي سببها أنه يقوم بنمذجة تدفقات النازحين التي تبين بصرياً قدرة المجتمعات المضيفة على الاستيعاب، وأسباب التضجر الذي يصيب المانحين الدوليين، ونقاط الانهيار أو التعافي المجتمعي.
• انهيار الخدمات العامة (الصحة، والتعليم، والبنية التحتية): تُعتبر هذه قضية منظومية لأنها تبين ترابطية وتفاعلية نقص الاستثمار المزمن وهجرة الأدمغة والفساد وأضرار الحرب والانهيار الاقتصادي وتبين فيما بينها الحلقات التعزيزية السلبية. كما أن استخدام الفكر المنظومي الحركي يبين بصرياً تأثيرات حلقات تدهور تقديم الخدمات وفقدان رأس المال البشري (حلقات تعزيزية سلبية) مقابل نماذج التعافي (حلقات توازنية إيجابية)، والفجوة الزمنية بين الاستثمار والعائد منه.
• التضخم المفرط والانهيار الاقتصادي: هي قضية منظومية لأنها تبين ترابطيات وتفاعليات انخفاض قيمة العملة، وفقدان الثقة بالنظام المالي، والعقوبات الاقتصادية على البلاد، وانتشار الاقتصاد الموازي. كل هذه العناصر وغيرها تتفاعل فيما بينها بوصلات حلقية غير خطية مما يزيد الأمور تعقيداً. واستخدام الفكر المنظومي الحركي يبين بصرياً حلقات التغذية الراجعة لتدهور قيمة العملة وتوقعات التضخم وسيناريوهات استخدام الصدمات الاقتصادية والديناميكيات بين القطاعين الاقتصاديين الرسمي وغير الرسمي.
• البطالة بين الشباب وهجرة الأدمغة: تُعتبر قضية منظومية لأنه يساعد على دراسة الفجوة بين التعليم وسوق العمل، وقلة الفرص المعروضة، والهجرة، والإحباط الناتج عن فقدان الأمل في إيجاد وظيفة مناسبة وغياب الرؤية المستقبلية محلياً. كل هذه هي عناصر تعزيزية تغذّي بعضها البعض سلبياً. واستخدام الفكر المنظومي الحركي يبين بالمحاكاة بصرياً حلقات التغذية الراجعة لتطلعات الشباب وخطوط الإمداد من التعليم إلى التوظيف ومحاكاة نمذجة أنماط الهجرة المستقبلية.
• أزمة الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي: تُعتبر قضية منظومية لأنها توضح ترابطية وتفاعلية التهميش التاريخي، وتفكك الهوية، وتعدد السرديات الوطنية المؤدية للاستقطابات الحادة. كل ذلك ينتج عنه انقسامات هيكلية عميقة. واستخدام الفكر المنظومي الحركي يساعد على دراسة نمذجة الاستقطاب القائم على الهوية وأثر السياسات المركزية على رأس المال الاجتماعي.
• التدخل الأجنبي وحلقات التبعية: هذه قضية منظومية لأنها تبين كيف يؤثر الاعتماد على المعونات على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك فساد الساسة وتضجر المانحين الدوليين، وكيف أن كل هذه العناصر تؤثر على سيادة السودان واستقلاله. وتبني الفكر الحركي يساعد على نمذجة توضح التبعية مقابل الاستقلالية (بالاكتفاء الذاتي) وحلقات التغذية الراجعة التعزيزية للتأثير الخارجي ومسارات بناء السيادة الوطنية.
وبعد أن سردنا سرداً موجزاً بعض المعضلات التي يعاني منها السودان والتي ظل يعاني منها الناس لأن سادتنا لم يبحثوها أبداً بمنهجية منظومية، دعونا نختار واحدة من هذه المعضلات لتطبيق ما تعلمناه.
وهذا ما سوف نطلع عليه بالجزء الرابع.
سنستعرض في هذا الجزء الثالث من هذه السلسلة، أمثلة لقضايا سودانية حرجة، تتصل بموضوعنا الرئيسي.
فالسودان، كغيره من المجتمعات المعقدة، يواجه عدداً من الأزمات التي تشهد تشابكية وترابطية عميقة، وهي أزمات يحتاج القائمون على شؤوننا أن يدرسوها من منظور الفكر المنظومي الحركي (Systems Dynamics). إذ أن هذا النهج يُمكّن القادة المنظوميين من فهم ورسم خرائط حلقات التغذية الراجعة التعزيزي منها والتوازني، وإدراك التأخيرات الزمنية (Time Delays)، والعلاقات اللاخطية، والهياكل المنظومية الكامنة وراء المعضلات المزمنة والتي تخلق الأزمات المعقدة، مما يتيح تقديم حلول أكثر فاعلية لآماد بعيدة.
من الأسباب التي تجعل من الفكر المنظومي أنسب المنهجيات لدراسة ومعالجة هذه الأزمات، بالنظر إلى كل أزمة على حدة كمنظومة، أنها تساعد الدارس على فحص ترابطياتها مع مكوناتها المنظومية ووضع يده على تفاعلاتها فيما بينها، وهو أمر في غاية الأهمية، ذلك أن كل واحدة من هذه المشكلات إنما هي منظومة تنطبق عليها الإرشادات المنظومية بالكامل، ومن هذه الإرشادات:
• أشرك أصحاب الشأن الخاصين بالمنظومة تحت الدراسة.
• المرئيات الفردية لا تمثل النموذج الأمثل، بل يجب جمع كافة الآراء لأصحاب الشأن داخل المنظومة قيد الدراسة، من أجل بناء نموذج منظومي واقعي.
• لا تحل المشكلة الخطأ.
• افهم الهدف جيداً ببصيرة منظومية واعية.
• أنشئ النموذج المناسب الذي يحاكي الواقع ثم اختبره قبل البدء في تنفيذ الحلول (النموذج يمكن أن يكون رياضياً أو فيزيائياً).
• فكر كمصمم منظومي للمنظومة الكلية حتى لا تعالج أشياء جزئية بمقاربة تفتيتية.
• إدرك وبيّن بياناً بصرياً العلاقات الترابطية بين أجزاء ومكونات المنظومة قيد الدراسة.
• تذكر أن مشاكل اليوم، حلول الأمس.
• كلما دفعت المنظومة في اتجاه، كلما دفعت هي في الاتجاه المعاكس.
• ينمو السلوك بشكل أفضل قبل أن يسوء.
• الخروج السهل يؤدي لدخول سهل.
• قد يكون العلاج أسوأ من المرض.
• قد يكون الأسرع أبطأ «تمهل حتى تصل سريعاً»
• السبب وتأثيره قد يكون خارج أطر الزمان الآني والمكان الحالي؛ (مثال: تأثير الفراشة).
• التغييرات الصغيرة قد يكون لها نتائج كبيرة، إلا أن نقاط الرفع العظمى لا تكون ظاهرة لمن لا يبصرها.
• تذكر أن لا شيء في الحياة أبيض أو أسود. مشاكلنا جميعها بين اللونين.
• تقسيم فيل إلى نصفين لا ينتج عنه فيلين صغيرين.
• إصبعك الذي ترفعه للوم أحد غيرك سوف يرتد إليك، فالكل متصل.
ولأننا سوف نتبنى المدرسة الحركية للفكر المنظومي، فدعونا نستعرض معاً ما الذي تفعله هذه المنهجية للأزمات والمعضلات التي يعاني منها السودان منذ أمد بعيد.
• عدم الاستقرار السياسي المزمن وانهيار الحوكمة: هي قضية منظومية لأنها تتضمن حلقات تغذية راجعة متعددة تشمل فقدان الثقة بالمؤسسات والصراعات على السلطة وعسكرة الحياة السياسية والتدخلات الخارجية وأزمات الشرعية. واستخدام الفكر المنظومي الحركي يساعدنا على نمذجة تآكل الثقة المؤسسية وإعادة بنائها، كما يساعد في تبيين نقاط التحول في العلاقات المدنية/العسكرية وفي تأثير التدخلات على الاستقرار السياسي.
• النزاعات القبلية والصراعات المجتمعية: هي قضية منظومية لأنها تبين بوضوح الترابطية والتفاعلية بين المظالم التاريخية والتنافس على الموارد وقضايا الهوية والعنف الانتقامي وتظهر بصرياً حلقات التغذية الراجعة التعزيزية (الجامحة) منها والتوازنية. ويستخدم الفكر المنظومي الحركي في محاكاة أسباب تصعيد أو تهدئة العنف، وتبين بصرياً العلاقة بين تخصيص الموارد ومسببات الصراع، كما تبين ديناميكيات بناء السلام.
• النزوح الداخلي وأزمات اللاجئين: يُعد النزوح سبباً ونتيجةً لانعدام الأمن (من قبل اندلاع هذه الحرب) والفقر وضعف تقديم الخدمات العامة. والدعوة لاستخدام الفكر المنظومي الحركي سببها أنه يقوم بنمذجة تدفقات النازحين التي تبين بصرياً قدرة المجتمعات المضيفة على الاستيعاب، وأسباب التضجر الذي يصيب المانحين الدوليين، ونقاط الانهيار أو التعافي المجتمعي.
• انهيار الخدمات العامة (الصحة، والتعليم، والبنية التحتية): تُعتبر هذه قضية منظومية لأنها تبين ترابطية وتفاعلية نقص الاستثمار المزمن وهجرة الأدمغة والفساد وأضرار الحرب والانهيار الاقتصادي وتبين فيما بينها الحلقات التعزيزية السلبية. كما أن استخدام الفكر المنظومي الحركي يبين بصرياً تأثيرات حلقات تدهور تقديم الخدمات وفقدان رأس المال البشري (حلقات تعزيزية سلبية) مقابل نماذج التعافي (حلقات توازنية إيجابية)، والفجوة الزمنية بين الاستثمار والعائد منه.
• التضخم المفرط والانهيار الاقتصادي: هي قضية منظومية لأنها تبين ترابطيات وتفاعليات انخفاض قيمة العملة، وفقدان الثقة بالنظام المالي، والعقوبات الاقتصادية على البلاد، وانتشار الاقتصاد الموازي. كل هذه العناصر وغيرها تتفاعل فيما بينها بوصلات حلقية غير خطية مما يزيد الأمور تعقيداً. واستخدام الفكر المنظومي الحركي يبين بصرياً حلقات التغذية الراجعة لتدهور قيمة العملة وتوقعات التضخم وسيناريوهات استخدام الصدمات الاقتصادية والديناميكيات بين القطاعين الاقتصاديين الرسمي وغير الرسمي.
• البطالة بين الشباب وهجرة الأدمغة: تُعتبر قضية منظومية لأنه يساعد على دراسة الفجوة بين التعليم وسوق العمل، وقلة الفرص المعروضة، والهجرة، والإحباط الناتج عن فقدان الأمل في إيجاد وظيفة مناسبة وغياب الرؤية المستقبلية محلياً. كل هذه هي عناصر تعزيزية تغذّي بعضها البعض سلبياً. واستخدام الفكر المنظومي الحركي يبين بالمحاكاة بصرياً حلقات التغذية الراجعة لتطلعات الشباب وخطوط الإمداد من التعليم إلى التوظيف ومحاكاة نمذجة أنماط الهجرة المستقبلية.
• أزمة الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي: تُعتبر قضية منظومية لأنها توضح ترابطية وتفاعلية التهميش التاريخي، وتفكك الهوية، وتعدد السرديات الوطنية المؤدية للاستقطابات الحادة. كل ذلك ينتج عنه انقسامات هيكلية عميقة. واستخدام الفكر المنظومي الحركي يساعد على دراسة نمذجة الاستقطاب القائم على الهوية وأثر السياسات المركزية على رأس المال الاجتماعي.
• التدخل الأجنبي وحلقات التبعية: هذه قضية منظومية لأنها تبين كيف يؤثر الاعتماد على المعونات على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك فساد الساسة وتضجر المانحين الدوليين، وكيف أن كل هذه العناصر تؤثر على سيادة السودان واستقلاله. وتبني الفكر الحركي يساعد على نمذجة توضح التبعية مقابل الاستقلالية (بالاكتفاء الذاتي) وحلقات التغذية الراجعة التعزيزية للتأثير الخارجي ومسارات بناء السيادة الوطنية.
وبعد أن سردنا سرداً موجزاً بعض المعضلات التي يعاني منها السودان والتي ظل يعاني منها الناس لأن سادتنا لم يبحثوها أبداً بمنهجية منظومية، دعونا نختار واحدة من هذه المعضلات لتطبيق ما تعلمناه.
وهذا ما سوف نطلع عليه بالجزء الرابع.