رأي

خيارات السودان الاستراتيجية

دكتور حسن عيسى الطالب 

 

أصبح واضحاً ومن تلقاء التمرد المسنود بالمال والسلاح الخارجي، أنه لا خيار للسودان، ولا ضمان لمستقبله السياسي، ولا لتطوره الاقتصادي، سوى بالمضي في مسار تعزيز سيادته، وحماية ترابه الوطني، واستقلال قراره السياسي، وبابتدار أولوية للتعامل مع الدول التي تحقق له ذلك.

ويتعين أن يكون أي تعامل خارجي على المستوى الثنائي مبنياً على إنشاء مشاريع استثمارية تستند على مبدأ الشراكات الاقتصادية، لا على الديون ولا على القروض. فالسودان لديه ثروات ذاخرة ونادرة، يحتاج لها كل العالم، مثل اليورانيوم والنحاس والكروم والكوبالت والغاز والبترول والنيكل والكولتان وغيرها، فضلاً عن توفر السيليكون، المورد الأساسي لتصنيع خلايا الطاقة الشمسة، ولديه الأراضي الزراعية الشاسعة، على مساحة تقارب المليوني كيلو متر مربع، ويحظى بالمياه الوافرة، على ظاهر الأرض وباطنها. فقط يحتاج للتمويل والتقانة، وهي متوفرة لدى دول ذات صداقات وعلاقات تاريخية معه مثل الإتحاد الروسي والصين والبرازيل وتركيا والهند وإندونيسيا والسعودية وقطر، وكلها دول راغبة وقادرة، إذا ما توفرت لها الضمانات السيادية والاتفاقات الموثقة والحماية.

فعلى مجلس السيادة التوجه لاستثمار هذه الموارد، وفي ظل المعطيات الماثلة، وبالبدء في المناطق الآمنة، التي أصبح مواطنوها، هم حماتها الأساسيون ضد التمرد، بمقاومتهم المسلحة الجمعية، واستنفارهم الذاتي، فهم الضمانة المستدامة لأمنها ولكل من يستثمر في مناطقهم. فيتعين عدم الإنكفاء وتجميد التنمية، والاعتكاف على محراب الحرب بدعاوى إنهاء التمرد الذي ينحصر في ولايات محدودة، وتعطيل التنمية والاستثمار في كل ربوع البلاد. بل الشعوب تتطور وتنمو اقتصاديا، وهي تحمل السلاح بيد والتقانة بالأخرى.

وقد ظلت جنوب أفريقيا العنصرية إبان الأبارثايد، تنتج البترول من الفحم الحجري، وتوليد الكهرباء من الطاقة النووية، وتنتج 500 طنا من الذهب و حوالي 14 مليون طن من الحبوب، وهي تتعرض لهجمات التحرير من المقاومين في حزب المؤتمر الأفريقي ANC وحركات المقاومة الشعبية الأخرى، حتى تم التحرير في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

هذه دروس مستفادة. فالسودان غني بشعبه وشبابه، وبإمكانه إعداد احتياطي وطني مستدام من 30 مليون من المجندين، يعملون في تطهير الأرض، وإعادة الإعمار، والبناء والتنمية في ذات الوقت الذي يقاتلون فيه شتات الإرتزاق والتمرد العميل.

هذا واجب يتعين على مجلس السيادة الإرتقاء لمقاماته، ولن يتأتى له ذلك عمليا إلا بعد تشكيل حكومة مهام وطنية، من أهل الخبرة والدربة، والولاء للوطن، ونبذ كل ولاء لحزب أو لجماعة أو لطائفة تعلو على الوطن.

وتكون عضوية هذه الحكومة المشكلة بالواقع الطارئ، والظرف الماثل، بالتعيين وعبر التشاور والتراضي المتيسر. وتمثل فيها كافة أقاليم السودان.

وينبغي أن يشكل مجلس تشريعي، يمثل كل ولايات السودان، والإدارة الأهلية، والمجتمع المدني لمراقبةالحكومة وسن التشريعات المطلوبة وتحقيق مبدأ المشورة الشعبية القاعدية.

وتعمل هذه الحكومة الطارئة تحت منظومة مجلس السيادة، حتى يتسنى للقيادة العسكرية المهنية، التفرغ لحسم معركة الكرامة، وبالتخصص المعهود، والمهنية المعتمدة، ومن قبيل إمضاء سنة إعطاء كل ذي حق حقه، فكل ميسر لما خلق له.

استراتيجية أمريكا وسياستها الخارجية، واضحة ومعلنة، وتستند على السيطرة على الحروب خارج حدودها المباشرة، وادارتها بالمكر الموروث، لتحقيق أكبر قدر من المصالح المحتملة والمتوقعة، فكلما زادت الانشقاقات في داخل الدول البعيدة، مثل ما يحدث في أوكرانيا وتايوان وبحر الصين الجنوبي والصومال ودول الساحل الأفريقية. فذلك يحقق لها فرصا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية وتدخلاتها الماكرة، وعبر شراء الذمم، وتجنيد المزيد من العملاء الخارجين عن إجماع دولهم وشعوبهم.

والأمثلة متواترة وحاضرة في عديد الدول، مثل هايتي وجاميكا وسورينام والإكوادور وكولومبيا والسلفادور والخ.. فهذه كلها دول تدور في الفلك الأمريكي، وتقع حدودها على مئات الكيلومترات من أمريكا، ولكن يعاني سكانها من التشتت الاجتماعي، والتشاكس السياسي، والفقر والفاقة، وفقدان الأمل، واستشراء الجريمة والمخدرات، وشيوع العصابات المسلحة الإجرامية، وشبكات الاستخبارات والفساد السياسي.

الشعوب الناهضة تحتاج لقادة وطنيين، يحددون وجهتهم، ويختارون مسارهم، ويصممون خارطة طريقهم بأنفسهم. فيمضون قدما وبتوافق ورضى شعوبهم، وجمع شتاتها، وعدم السماح لأية دعاوى ناشزة لتفريق الأمة وتمزيقها. فلا يلتفتون للوراء، ولا لأصوات المثبطين والمخذلين، التي تدعوهم للركون للواقع والنكوص، وتتهددهم بالهزائم والعقوبات الخارجية، بل يمضون بعزم وإصرار لإنفاذ رؤاهم التي تعبر عما يتوافق عليه غالب مواطنيهم.

 

نأمل أن ترتقي قيادة مجلس السيادة لمستوى الفعال بعدما سمع منهم حسن المقال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى