عن “فاروق الزواهر” والرفاق الشهود نكتب ونكتب

د. محجوب محمد أحمد
مدخل أول:
وكان لابد لعبد السلام بن محمد خير أن يكتب ويستدرج قلمه المسيال كثيرين إلى غواية الكتابة.
مقال له في الأسافير يثير جملة من لواعج الأحزان، ويشكِّل في لحن المواجع (قراراً) يحتاج إلى (جواب).
مدخل ثانٍ
كلهم يستحقون:
وسعادة المقدم الشهيد حسن يستحق؛ ذلك الذي كتب عنه (المسلمي)، فكشف عنه غطاءً حجبنا عن أنموذج فريد، جسَّد كيف تكون منضبطاً في سماحة.
(مجدي ثقافة) رفيق صولات وجولات في [الخرطوم عاصمة الثقافة العربية 2005م]، قبل عشرين عاماً، حين حاولت الخرطوم أن تجعل المستحيل ممكناً، ولذلك استحقت الانتصار في العام 2025م مع (مجدي)، في حضور (إبراهيم مضوي ووجي) المضيء.
هم حازوا الشهادة، ونحن يعتصرنا الألم لفراقهم، فلا نحن قادرون على إقناع أنفسنا بطيب مصائرهم ومقامهم، ولا نحن قادرون على الإمساك بلجام فجيعتنا، أو بلوغ نهاية ماراثون أحزاننا.
أشهد يا مجدي ويا إبراهيم مضوي ويا وجي أن حزني خاص على [فاروق الزاهر]. فاروق الزاهر الفارق دوماً والزاهر أبداً.. فاروق الذي كانت بيني وبينه كيمياء خاصة، ولكم شهدنا معه؛ هنا في القاهرة، نقاشات ومفاكرات ومدارسات في همِّ السودان، في عالم ما عاد يرحم ولا يهتدي بعقل أو برشد
(الزاهر) الذي دائماً ما يُعين جاءني مرتين، طالباً مني أن أعينه في مشروع لإنجاز الدكتوراة. سألته عن الموضوع. قال لي دفعة واحدة: (الصورة المشهدية في القرآن الكريم- سيرة موسى عليه السلام أنموذجا) للوهلة الأولى أصابني الجمود. هذا بحر عميق يا فاروق. كان رده: سنخوضه؛ ولكن ليس مع الخائضين. قلت له: توكلنا على الله. وبدأنا مراجعة الخطة ومراجع الدراسة. لا أدري الآن أيَّ مرحلة وصلت يا أيها (الفاروق)؟ بل إنني أسأل نفسي: هل أنت في حاجة (لشهادة) من جهة أياً كانت وبين يديك (شهادة) من كبير متعال؟
في لقاء التنوير في القاهرة، جاء يحمل حقيبات ثقيلات، وبدأ الحديث؛ فكشف عن لسان زرب وإنسان مُفَوَّه، تدفق حديثاً هامساً ضاحكاً ومستبشرا، وحتى الاختلافات وضعها داخل إطار من اللين والجمال، ثم ترك أمر التداول لنقاش مستفيض، ثم فاجأنا مرة أخرى، حين لملم الأطراف المتناثرة والمتناقضات في مهارة عجيبة، واضعاً الجميع (زور نور) أمام تحدي أن ينطلق عمل الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من مكتب في القاهرة، ووضع هذه المسؤولية على عواتقنا، ولكن كأنما يضع عليها قلادة شرف وفوز في تحديات معركة الكرامة. حين استبان مهر الروح الذي دفعه الآلاف؛ سكت الجمع عن سؤال الأخذ، مفسحاً الطريق لإجابة العطاء، أما الحُلم الذي نادى به فقد تحقق رغم كل المتاريس وخنادق التعويق.
ويكفي فاروق أنه حين ضجت الأسافير بالسؤال: أين التلفزيون داخل القصر الجمهوري لحظة التحرير؟ مضى هو مع الكاميرا، متذكراً دور المخرج، وناسياً دور مدير البرامج، واعداً نفسه وإيانا، ومُشهِداً السودان ومعركة الكرامة؛ على اللحظة الفاصلة، التي غيرت مسار الحرب إلى نهاية محتومة، تعلن فوز السودان للمرة المئة، في تاريخ إنسان المنطقة والقارة والعالم.
لك التهنئة يا فاروق وصحبك الكرام وأنتم تسرعون الخطو إلى جنة الكرام مُفَتَّحةً لكم الأبواب.
اللهم تقبل منهم دفعهم وبذلهم وجهادهم، وأنت وليُّ ذلك والقادر عليه. اللهم تقبلهم عندك شهداء، وأدخلهم جنتك دون حساب ولا سابقة عذاب، وشفعهم في أسرهم وأهليهم وأحبائهم يا رب العالمين.
ولا حول ولا قوة الا بالله.