رأي

من وحي المؤتمر الإقتصادي(1): رسائل فى بريد وزير المالية

بروفسور أحمد مجذوب أحمد

شهدت العاصمة الإدارية المؤقتة (بورتسودان) أعمال الموتمر الإقتصادي الذي نظمته وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي خلال الأيام الماضية ، وقد حفل المؤتمر بتعدد أوراقه العلمية وتنوع موضوعاته، كما شهد مشاركة من الأكاديميين والتنفيذيين الممسكين بهذه الموضوعات فى وزارات ومؤسسات وهيئات القطاع الاقتصادي، ولا شك أن مثل هذه المؤتمرات تمثل سانحة ممتازة لتبادل الآراء وبحث القضايا، خاصة فى هذا الظرف الذي يمر به الوطن الحبيب.

وتنبع أهمية هذا المؤتمر في أن الجميع ينتظر منه أن يتبنى مقترحات تصلح لتكون مشروع خطة انطلاق وتعافي لمرحلة ما بعد الحرب، وبالتالي يصبح هذا هو معيار قياس نجاحه في تحقيق هذا الهدف.

الشكر أولاً لوزارة المالية وبنك السودان المركزي والجهات الاقتصادية الأخرى على هذا الجهد الكبير ، حيث قدمت فى هذا المؤتمر 18 ورقة متخصصة مما يعتبر جهداً مقدراً للإحاطة بتحديات الاقتصاد.

وقد ظللنا ننتظر انعقاد هذا المؤتمر لأنه يمثل منصة الانطلاق لتجاوز آثار الدمار والخراب الذي خلفه المتمردون ومن شايعهم من العملاء ، من تدمير لم تسلم منه القطاعات الانتاجية ولا البنى التحتية ولا حتى القطاعات المالية والمصرفية والخدمية، فكان نتاج هذا الدمار تراجع كل المؤشرات الإقتصادية والمالية والإجتماعية، حيث تراجعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي أصبح معدل النمو سالباً، وازدادت نسبة التضخم فانخفضت قيمة العملة واتسعت رقعة الفقر المباشر والمؤقت، وانهار القطاع الصناعي والاستخراجي وبعض أنشطة القطاع الزراعي ، وبصفة عامة تراجعت كل المؤشرات الاقتصادية المعروفة للجميع.

و يقتضي هذا الظرف من الجميع أن يقدموا مبادراتهم التى من شأنها إنقاذ الوطن ، فالاتفاق على خطة اقتصادية يمثل القاعدة الأساسية للخروج من الأزمة، وهي التي تحرك كافة الأنشطة وتوفر الموارد التي تمكن الحكومة من القيام بوظائفها الرئيسية (الامنية والسياسية والإنسانية والإعلامية والخارجية) لأنه فى ظل حكومة عاجزة أو ضعيفة لن يتحقق شيئاً من هذه الوظائف.

ولهذا تظل معالجة التحدي الاقتصادي هي المدخل لحماية وبقاء الدولة، لأنها تمكن الحكومة من العمل في كل الجبهات، فأمنياً: تنطلق القوات المسلحة لمواصلة خطة تحرير وتأمين الوطن، وسياسياً وإعلامياً يعمل الجهاز التنفيذي على حشد الرأي العام المساند لتنفيذ الخطة وتحقيق الاستقرار، وخارجياً يتم استقطاب التمويل والاستثمار.

إدراكاً لكل ذلك ينبغي أن تتضافر جهود الجميع لتجاوز التحدي الاقتصادي ، لإيقاف و منع التدهور والتراجع الاقتصادي، لأنه هو السبب الرئيس لانهيار الدولة وتحقيق أهداف المستعمرين الجدد.

ولهذا تأتي هذه السلسة من المقالات مشاركة فى البناء الوطني وتحقيق النهوض الاقتصادي ، ونبدأ بحصر وبيان التحديات الاقتصادية الماثلة والأهداف التي ينبغي أن تسعى الحكومة لتحقيقها، ثم بيان آليات التنفيذ، والأولويات الاقتصادية والسياسات الاقتصادية التي تساعد على تحقيق الأهداف المرحلية، حيث لاحظت من خلال استعراض الأوراق التي قدمت غياب الإطار الكلي الذى يصبح موجهاً للعمل ، وربما تم تأجيله عمداً حتى يناقش الموتمر الموضوعات الفرعية وبيان وضع كل قطاع على حدة، ومن ثم استخلاص الرؤية الكلية.

وطالما كان الأمر فيه متسع للحوار وتحديد الخطة الكلية، تأتي مشاركتي هذه لاستكمال بناء الروية الكلية اللازمة لتنفيذ برامج الإصلاح والإعمار.

أولاً: التحديات الماثلة و المتوقعة:

يمكن تجميع وتلخيص التحديات التى تواجه الاقتصاد حاليا فيما يلى:

1. حدوث عجز كبير في الموازنة بفقدان مصادر الإيرادات واستمرار زيادة المصروفات، حيث أكدت ذلك ورقة وزارة المالية من أنها فقدت أكثر من 80‎%‎ من الإيرادات .

2. زيادة عجز الميزان الخارجي باستمرار وزيادة الواردات وتراجع الصادرات وقد أكدت هذا أيضاً الوزارة في ورقتها، وبينت أن عجزاً بيناً ظهر في ميزان المدفوعات بسبب تراجع الصادرات وزيادة الواردات وغياب النقد الأجنبي من المنظمات الدولية والممثليات الخارجية والعاملين بالخارج.

3. انخفاض قيمة الجنية وارتفاع معدل التضخم، وهو واقع يواجهه يومياً كل مواطن، فقد فقد الجنيه قوته الشرائية لعدة أسباب من جراء آثار هذه الحرب .

4. تراجع دور  الجهاز المصرفي التمويلي والتنموي، بسبب الدمار الذى واجه رئاسات المصارف والنهب الكامل للعملات النقدية المحلية والأجنبية، وهو واقع أكدته ورقة بنك السودان المركزى.

5. ضعف نظم الدفع الالكتروني بسبب اتساع النشاط الاقتصادي غير غير المنظم (informal sector) بشيوع ثقافة التهرب الضريبي وضعف الحس الوطني وضعف الانتشار المصرفي وعدم الاستفادة من قطاع الاتصالات فى التقنية المالية، حتى الآن لم يتم تمكين قطاع الاتصالات من تقديم خدمة الدفع النقدي (mobile money ) التى احتلت حيزاً كبيراً فى معظم الدول ، فعدد المشتركين في خدمة الهاتف النقال وعدد أجهزة الموبايل المحمولة تكاد تقارب عدد السكان، وهي تقدم قاعدة سهلة وفعالة فى توسيع نظم الدفع وتقلل من الحاجة لاستخدام البنكنوت وسنعرض لذلك لاحقا.

6. توقع حدوث فجوة فى استهلاك وانتاج النفط ومشتقاته بسبب ما حدث فى خطوط النقل والمصافي وبعض الحقول وتوقف نشاط الاستكشاف والإنتاج .

7. انخففاض إنتاج الكهرباء بسبب ما أصابها من دمار فى بعض الخطوط والمحطات ،كما أن تراجع إنتاج النفط وتوقف المصفاة من العمل وعجز موارد النقد الأجنبي ينذر باستمرار شح الوقود وارتفاع أسعاره .

8. ارتفاع نسبة البطالة خاصة فى ولاية الخرطوم لفقدان الوظائف بسبب الدمار الذى أصاب القطاعات الإنتاجية والخدمية.

9. تراجع قيمة الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض معدل النمو السنوي بل ربما أصبح بالسالب . وهو نتاج لكل العوامل أعلاه، وعلى رأسها التدمير المتعمد للقطاعات الانتاجية والتجارية والخدمية وإخراجها من دائرة الانتاج .

10. تراجع مستوى الخدمات (التعليمية والصحية والمياه) بانهيار البنى التحتية خاصة في ولاية الخرطوم. ويشهد على ذلك حريق وزارة التعليم العالي والتعليم العام ،و استمرار احتلال فلول التمرد للمستشفيات والمؤسسات التعليمية وتحطيم محطات وشبكات المياه والكهرباء وجسور النقل،

11. تراجع معدل الاستثمار المحلي والخارجي وهروب رأس المال المحلي والأجنبي على حد سواء.

هذه التحديات ينبغي أن يمثل علاجها لب خطة النهوض والانطلاق الاقتصادي. وهو ما سنقوم به إن شاء الله فى الحلقات القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى