رأي

حكايات القراءة

عبد القادر دقاش

يحكى أن (طالباً) جاء الشيخ عبد الوهاب الشعراني، ليجيزه في الكتب التي قرأها، والمتون التي حفظها، والشهادات التي حصل عليها.. لكن ما كاد الشعراني يراه على هذه الحال حاملاً كتبه وقراءاته السابقة. مزهوا بمعارفه ومزداناً بأوراقه.. حتى قال له: أرمَّ ما تحمله وراء ظهرك، وأقبل علينا خاليا حتى تتعلم.

هل يجوز لنا أن نقول إن القراءة حجاب..وإن الإنسان الذي يدفن نفسه بين الكتب يحجب نفسه عن عالم الناس، والكائنات الحية.. ويسبح في عالم الأشياء و لا يكون له في دنيا الناس نصيب؟

إنه لسؤال مشروع.. والإجابة عنه محفوفة بالمخاطر. ألم يقل إبراهيم بن سيار النظام: *العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وإن أعطيته كلك فأنت من البعض منه على خطر!* (النظام أمره عجيب) .. لكن الأعجب هو (شوقي) أمير الشعراء، الذي قال: أنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا/ لَم أَجِد لي وافِياً إِلّا الكِتابا. صاحِبٌ إِن عِبتَهُ أَو لَم تَعِب/ لَيسَ بِالواجِدِ لِلصاحِبِ عابا. كُلَّما أَخلَقتُهُ جَدَّدَني/ وَكَساني مِن حِلى الفَضلِ ثِيابا. صُحبَةٌ لَم أَشكُ مِنها ريبَةً/ وَوِدادٌ لَم يُكَلِّفني عِتابا.

نظن أن الشعراني، عندما أمر بإلقاء الكتب والتخلص منها، إنما أراد التخلص من حظ النفس الذي يجعلك مستغرقا فيما تريد وترى أنك أوتيته على علم عندك.. فتضع نفسك في برج (عاجي) وتظن أنك أفضل من عامة الخلق.. في آخر أيامه قال سعيد ابن المسيب، *لو استدبرت من أمرى ما استقبلت، ما اعتزلت الناس* .. ابن المسيب (حكيم في السابقين قليل).

المعلم الجيد، ليس هو الذي يعظنا، لكن هو من يقدم لنا المقترحات في التعلم. والكتاب الجيد، ليس هو الكتاب الذي يدعونا لحفظه واجتراره، ولكن هو ما يثير فينا التساؤل ويحفز فينا ملكة التفكير. وليس كالاحتكاك اليومي بالحوادث ما يوجه سلوك الإنسان في علاقاته بالعالم وبالله.

والاحتكاك اليومي يكون أيضا بالكتب.

إقرأ لتحيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى